أوضح خبراء في مجال الطاقة واقتصاديون في حديثهم مع “نبأ العرب” أن توسيع تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر لا يمكن اعتباره مجرد مكسب لطرف وخسارة لآخر، بل يعكس تبادل مصالح مرتبط بظروف السوق والبنية التحتية والتوقيت السياسي.

بينما يعتبر البعض أن إسرائيل تستفيد بشكل مباشر من تصريف إنتاجها، يؤكد الخبراء أن مصر تدخل الصفقة من موقع أقوى، حيث تستفيد من أسعار تفضيلية وبنية إسالة جاهزة، إضافة إلى قدرتها على تحويل الغاز إلى قيمة مضافة سواء للاستهلاك المحلي أو إعادة التصدير.

اتفاق ضخم يعود إلى الواجهة

وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسميًا على التعديلات التي أُدخلت في أغسطس على اتفاق الغاز مع مصر، في صفقة تُعتبر الأكبر في تاريخ قطاع الطاقة الإسرائيلي. الاتفاق، الذي تم التوصل إليه مبدئيًا في أغسطس الماضي، تعطل لفترة بسبب خلافات حول التسعير، وينص على توريد ما يصل إلى 130 مليار متر مكعب من الغاز من حقل “ليفياثان” حتى عام 2040، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 35 مليار دولار.

تشمل الصفقة مرحلتين؛ الأولى تبدأ بإمدادات جزئية اعتبارًا من عام 2026، بينما المرحلة الثانية تأتي بعد الانتهاء من توسعة خطوط الأنابيب والبنية التحتية، لربط الحقل الإسرائيلي بمحطتي الإسالة في إدكو ودمياط، تمهيدًا لإعادة تصدير الغاز المصري والإسرائيلي معًا إلى الأسواق الأوروبية.

صفقة رابحة للطرفين.. لكن مصر تكسب بالوفر

يرى الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، أن الصفقة تحقق مكاسب واضحة للطرفين، لكنها تميل لصالح مصر من حيث التكاليف والعائد الاقتصادي غير المباشر. ويشير إلى أن إسرائيل لا تملك بدائل تصدير سريعة أو منخفضة التكلفة، حيث تتطلب مشروعات مد خطوط أنابيب مباشرة إلى أوروبا استثمارات ضخمة وفترات زمنية طويلة، مما يجعل الاعتماد على البنية التحتية المصرية الخيار الأكثر واقعية.

ويؤكد النحاس أن مصر تحصل على الغاز بأسعار أقل بكثير من الأسعار العالمية، مع تسهيلات في السداد، مما يخفف الضغط عن فاتورة الاستيراد. كما يضيف أن الاتفاق الجديد لا يغطي فقط احتياجات السوق المحلي، بل يخلق فائضًا يسمح بتشغيل المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة وزيادة إنتاج الكهرباء، وتحقيق عوائد إضافية من إعادة التصدير، موضحًا أن الفارق بين تكلفة الاستيراد من الخارج وقيمة الصفقة الحالية قد يوفر على الدولة مليارات الدولارات.

مصر الرابح الأكبر اقتصاديًا واستراتيجيًا

يؤكد المهندس مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، أن الصفقة في جوهرها صفقة شراء لصالح مصر، لكنها بشروط تمنحها أفضلية واضحة. ويشير إلى أن سعر الغاز في الاتفاق ثابت وطويل الأجل حتى عام 2040، مما يوفر حماية مباشرة من تقلبات الأسعار العالمية، التي شهدت قفزات حادة خلال السنوات الماضية.

ويضيف يوسف أن مصر تحصل على الغاز بسعر يقل بنحو 50% عن بعض أسعار الاستيراد البديلة، مما يحقق وفرًا كبيرًا سواء تم توجيه الغاز للاستهلاك المحلي أو لإعادة التصدير بعد إسالتِه. كما يشدد على أن امتلاك مصر لمحطات الإسالة في إدكو ودمياط يمثل عنصر القوة الحقيقي في الصفقة، حيث تفتقر إسرائيل لهذه البنية، مما يجعل القاهرة مركزًا إقليميًا لا غنى عنه لتسويق الغاز في أوروبا.

ورغم اعترافه بأن إسرائيل تحقق مكاسب من تنمية حقولها وضمان تصريف الإنتاج تحت ضغط الشركاء الأجانب، يرى يوسف أن العائد النسبي لمصر أكبر، سواء من حيث السعر، أو استقرار الإمدادات، أو تعظيم القيمة المضافة.

تشير التغطيات الإخبارية إلى أن إتمام الصفقة جاء في سياق ضغوط أمريكية ذات طابع اقتصادي، مرتبطة بمصالح شركات أمريكية تمتلك حقوقًا واستثمارات مباشرة في حقول الغاز، وتسعى إلى ضمان استقرار عملياتها وتعظيم عوائدها. وبحسب هذه التغطيات، فإن الدور الأمريكي لم يكن منفصلًا عن كون هذه الشركات من الموردين الرئيسيين للغاز إلى مصر، مما يجعل الصفقة متسقة مع مصالحها التجارية، إضافة إلى الأبعاد الأمنية والاستراتيجية التي قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه حصل على ضمانات بشأنها قبل إعطاء الموافقة النهائية.

وفقًا للخبراء، تبقى الكلمة الفصل للاقتصاد، حيث تدخل مصر الصفقة وهي تمتلك أدوات التحكم والتشغيل والتسويق، بينما تجد إسرائيل فيها الممر الأقصر والأقل تكلفة لتصدير غازها، مما يجعل الاتفاق مثالًا واضحًا على تلاقي المصالح، مع تفوق كفة مصر في الحسابات النهائية.

اقرأ أيضًا:

ذروة خدمة الدين.. هل وصلت مصر لمستويات خطرة؟ مدبولي يوضح.

محللون بسوق المال يتوقعون استمرار البورصة في جني الأرباح خلال 2026 لهذه الأسباب.

مدبولي يرد على سردية “تضخم الدين العام سببه مشاريع بلا جدوى اقتصادية”.